مفهوم نفي القبول
قسم الحديث شرح الاربعين للنواوى
فإنّ
كلمة (لََا يَقْبَلُ) هذه في نظائرها مما جاء في السنة:
1.
قد تتوجه إلى إبطال العمل.
2.
وقد تتوجه إلى إبطال الثواب.
3.
وقد تتوجه إلى إبطال الرضا بالعمل، وهو مستلزِم في الغالب لإبطال الثواب والأجر؛ يعني
أن العمل قد يقع مُجْزئًا ولا يكون مقبولا، كما جاء في الحديث «لا يقبل الله صلاة عبد
إذا أبق حتى يرجع». و«من أتى كاهنا أو عرافا لم تقبل له صلاة أربعين ليلة» وأشباه ذلك.
فتقرر
أن كلمة (لََا يَقْبَلُ) هذه تتجه إلى نفي أصل العمل، يعني إلى إبطاله، كما في قوله
«لا يَقْبَلُ الله صَلاَةَ حائِضٍ إِلاّ بِالخِمارٍ»، «لاَ يَقْبَلُ الله صَلاَةَ أحَدِكُم
إذَا أحْدَثَ حَتّى يَتَوَضّأَ»، هذه فيه إبطال العمل إلا بهذا الشرط، وقد تتجه إلى
إبطال الرضا به، أو الثواب عليه، فهذه ثلاثة أقسام.
هنا
(إِنَّ
اللهَ طَيَّبٌ لََا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيَّبًا)
تحتمل بحسب العمل:
¨ أن
يكون المنفي الإجزاء.
¨ أو
أن يكون المنفي الأجر والثواب.
¨ أو
أن يكون المنفي الرضا به والمحبة له، يعني لهذا العبد حين عمل هذا العمل.
فقال
(لََا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيَّبًا) يعني الذي يوصف بأنه مجزئ، وأنه مرضي عنه عند الله
جل وعلا وأنه يثاب عليه العبد هو الطيب، وأما غير الطيب فليس كذلك، فقد يكون غير مرضي،
أو غير مثاب عليه، وقد يكون غير مجزئ أصلا، بحسب تفاصيل ذلك في الفروع الفقهية إذا
تقرر هذا فقوله عليه الصلاة والسلام هنا (لََا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيَّبًا) هذا فيه أنّ
الله جل وعلا إنما يقبل الطيب على الحصر، والطيب جاءت النصوص ببيان أن الطيب يرجع إلى
الأقوال، وإلى الأعمال، وإلى الاعتقادات، فحصل أن الله جل وعلا من آثار أنه طيب أنه
لا يقبل من الأقوال إلا الطيب، ولا يقبل من الأعمال إلا الطيب، ولا يقبل من الاعتقادات
إلا الطيب.
ما
هو القول الطيب، والعمل الطيب، والاعتقاد الطيب؟ فسّرْنا الطيب أولا بأنه هو المبرأ
من النقائص والعيوب، وكذلك القول والعمل والاعتقاد هو المبرأ من النقص والعيب، يعني
الذي صار بريئا من خلاف الشريعة.
فالطيب
هو الذي وُوفِقَ فيه الشرع، فالقول والطيب هو الذي كان على منهاج الشريعة، والعمل الطيب
هو الذي كان على منهاج المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، والاعتقاد الطيب ما كان عليه
الدليل من الكتاب ومن السنة، فهذا هو الطيب من الأقوال والأعمال والاعتقادات. وإذا
صار قول المرء طيبا فإنه لا يكون خبيثا، والخبيث لا يستوي والطيب، كما في آية المائدة
{ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ
} [المائدة:100]، وكذلك في الأعمال والاعتقادات، فنتج من ذلك أن العبد إذا تحقق بالطِيبِ
في قوله وعمله واعتقاده صار طيبا في ذاته، والطيب له دار الطيبين، كما قال جل وعلا
{ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ } [النحل:32]، ومن صار عنده
خبث في بدنه وروحه، نتيجة لخبث قوله، أو خبث عمله، أو خبث اعتقاد، ولم يغفر الله جل
وعلا له، فإنه يُطَهَّر بالنار حتى يدخل الجنة طيبا؛ لأن الجنة طيبة لا يصلح لها إلا
الطيب.
متن شرح الورقات
هناك
تارة يُعبّر عن عدم الصحة بعدم القَبول، "لا يقبل" في النصوص، "لا يقبل"بأن
"لا يصح" قليل في النصوص جدا؛ بل تكاد تكون من استعمالات علماء الأصول والفقه.
في
الشرع يكثر "لا يُقبل" ?فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ
ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ?[آل عمران:91]، «لا يَقْبَلُ الله صَلاَةَ حائِضٍ إِلاّ
بِخِمارٍ»، «من شرب الخمر لن تقبل له صلاة أربعين صباحا»، «من أتى كاهنا فسأله عن شيء
لن تقبل له صلاة أربعين صباحا».
فهل
القبول ونفي القبول؛ هل نفي القبول هو نفي الصحة؟ الجواب: أنّ نفي القبول لا
يعني نفي الصحة، وإن كان القبول والصحة قد يترادفان؛ يعني القبول، قد نعبر عن الأشياء
الصحيحة بالمقبولة والمقبولة بالصحيحة، لكن نفي القبول لا
يعني نفي الصحة، وذلك لأنّ ما نفي عنه القبول على قسمين في النصوص:
نُفي
القبول بمعنى الإجزاء، وهذا هو
المراد بنفي الصحة، مثل قوله عليه الصلاة والسلام «لاَ يَقْبَلُ الله صَلاَةَ أحَدِكُم
إذَا أحْدَثَ حَتّى يَتَوَضّأَ» هذا القبول، عدم القبول بمعنى عدم الصحة، «لا يَقْبَلُ
الله صَلاَةَ حائِضٍ إِلاّ بِخِمارٍ» هذا عدم القبول بمعنى عدم الصحة، (فَلَنْ يُقْبَلَ
مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ) يعني بمعنى الصحة،
هذا قسم القسم الثاني يُنفى القبول ويراد منه نفي الثواب مع بقاء العبادة صحيحة عند
الفقهاء والأصوليين، وذلك مثل قوله «من شرب الخمر لن تقبل له صلاة أربعين صباحا»، ومن
مثل قوله عليه الصلاة والسلام «من أتى كاهنا فسأله عن شيء لن تقبل له صلاة أربعين يوما»
أجمع العلماء على أن من شرب الخمر وصلى أربعين صباحا، ومن أتى كاهنا فسأله وصلى أربعين
صباحا أنه لا يؤمر بالعبادة، ولهذا قالوا إنّ نفي القبول هنا بمعنى نفي الثواب، أما
الصحة فالعبادة في نفسها صحيحة إذا استكملت شروطها الشرعية.
قال
ابن العراقي -أحد العلماء-: يمكن أن تضبط المسألة -يعني الفرق بين النصوص التي فيها
عدم القبول بمعنى عدم الصحة والأخرى التي فيها أن عدم القبول بمعنى عدم الثواب- قال:
يمكن أن تضبط بأنه إذا اقترن مع عدم القبول في النص ذكر معصية، فإنه يكون عدم القبول
بمعنى عدم الثواب-بمعنى أنه لا يثاب عليها والعبادة صحيحة-، وإن لم يقترن بالعبادة
معصية وإنما اقترن بها شرط، صار معنى عدم القبول عدم الصحة. وهذا ضابط عندي حسن، لأنه
يمكن ضبط كثير من المسائل به.
هذا
بعض ما يتعلق بقوله (والصحيح: ما يتعلق به النفوذ ويعتد به).
غاية
الوصول شرح لب لالاصول
(أما
نفي القبول) عن شيء كقوله تعالى {فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا} لن تقبل منهم
نفقاتهم. (فقيل دليل الصحة) له لظهور النفي في عدم الثواب دون الاعتداد كما حمل عليه
نحو خبر مسلم «من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما». (وقيل)
دليل (الفساد) لظهور النفي في عدم الاعتداد، ولأن القبول والصحة متلازمان فإذا نفى
أحدهما نفى الآخر. (ومثله) أي نفي
القبول (نفي الإجزاء) في أنه دليل
الصحة أو الفساد قولان. بناء للأول على أن الاجزاء إسقاط القضاء، فإن ما لا يسقطه قد
يصح كصلاة فاقد الطهورين، وللثاني على أنه الكفاية في سقوط الطلب وهو الأصح. (وقيل)
هو (أولى بالفساد) من نفي القبول لتبادر عدم الاعتداد منه إلى الذهن، وعلى الفساد في نفي القبول خبر
الصحيحين «لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضا». وفي نفي الاجزاء خبر الدارقطني
وغيره «لا تجزىء صلاة لا يقرأ الرجل فيها بأم القرآن».